جاء هذا الكتابُ مقدمةً وعدةَ رسائل؛ بدأه مؤلفه بمقدمة شرح فيها مضمون كتابه، بعد ذكره الأسبابَ الدافعةَ له على تأليفه. ويعالج الكتاب داء البخل بطريق السخرية والتندر، ويُفيد الكتاب في تبيين الحجج الطريفة للبخلاء، وتعرف حيلهم اللطيفة، ولا يخلو من نوادرهم العجيبة. ويصور هذا الكتاب البخلاء الذين قابلهم المصنف, وقد صور الكاتب البخلاء تصويرًا واقعيًّا حسيًّا نفسيًّا فكاهيًّا. وقصص الكتاب مواقف هزلية تربوية قصيرة، والكتاب دراسة اجتماعية تربوية نفسية اقتصادية لهذا الصنف من الناس. ولهذا الكتاب أهمية علمية حيث يكشف لنا عن نفوس البشر وطبائعهم وسلوكهم علاوة على احتوائه على العديد من أسماء الأعلام والمشاهير والمغمورين، وكذلك أسماء البلدان والأماكن، وصفات أهلها، والعديد من أبيات الشعر، والأحاديث، والآثار، فالكتاب موسوعة علمية أدبية اجتماعية جغرافية تاريخية.
الكتاب: مقدمة، وعدةُ أبوابٍ، وهو ليس خالصًا لعلم البديع، بالمعنى الاصطلاحي المستقر لدى البلاغيين الآن؛ وإنما هو كتاب في البلاغة بمعناها العام، حيث بدأ الكتابُ بالاستعارة، ثم التجنيس والمطابقة، واخْتُتِم بالالتفات.
كتاب عقده المصنف للحديث عن ذوي العاهات من البرصان والعرجان والعميان والحولان من أعلام العرب وأشرافهم ومشاهيرهم وشعرائهم. والكتابُ: طَرْحٌ أدبي تاريخي تحليلي يجمع فوائد حول أشهر العوران، والعرجان، والبرصان، والحولان، والعميان،... مع ذكر عوارض هذه العلل، مقارنةً بالأسوياء. وقد اتخذ المصنف كتاب الهيثم بن عدي في هذا الموضوع تكأة لتأليف كتابه هذا؛ بهدف جمع فوائد أخبار أولئك العرجان والعميان والبرصان والحولان لبيان أن جماعة منهم كانوا يبلغون مع العرج ما لا يبلغه عامة الأصحاء، ومع العمى يدركون ما لا يدركه أكثر البصراء، ثم يبين المصنف الطريقة التي ينبغي أن يعالج بها الحديث عن هذه الأمور الشخصية البحتة، وذلك في سبيل استخلاص أدب يستفاد منه أو عظة يعتبر بها. ولقد وصل الجاحظ بكتابه هذا إلى قمة سامية من الأدب الإنساني الرفيع، لم يدانه فيها من طرقوا هذه الناحية في الإنسان.
يعد الكتاب من أمهات كتب الأدب العربي، كما ألمح ابن خلدون في مقدمة تاريخه عند كلامه على علم الأدب، بدأه صاحبه بمقدمة: ضَمَّنَهَا حديثًا عن الفصاحة والطلاقة، والعي والحصر، ثم شَرَعَ في تفصيل البيان، وذِكْر أشهر الخطباء، وأهم الخُطَب، والرسائل الأدبية التاريخية. كما عَرَضَ المؤلف لظاهرة الشعوبية السائدة ـ آنذاك ـ من خلال الحديث عن العصا، التي من عادة العرب اتخاذها في مواضع متباينة. والجزء الأخير جعله أخلاطًا: من الشعر، والنوادر، والأحاديث، وتعازي الملوك. وألف الجاحظ كتابه في أواخر أيامه وغايته في الدفاع عن البيان العربي في مختلف مظاهره، وتحدث فيه عن الألفاظ وفصاحتها، والأفكار والأساليب، وتناسب اللفظ والمعنى. كما ملأه بالأخبار والنوادر والطرائف، والشعر وشواهد القرآن الكريم والحديث الشريف والخطب والأمثال وغيرها للدفاع عن ما يذهب إليه، مما جعل من الكتاب موسوعة أدبية تمثل ثقافة الجاحظ التي أحاطت بمعارف عصره. أما موضوعات الكتاب الكبرى فتدور حول البيان والبلاغة، والخطابة، والشعر، والأسجاع، ونماذج من الوصايا والرسائل، وطائفة من كلام النساك والقصاص وأخبارهم، وغير ذلك. ويتنقل الجاحظ بين هذه القضايا مرسلًا نفسه على سجيتها، غير متقيد بمنهج محكم يلتزمه، بل يعتمد على الاستطراد والانتقال من موضوع الى آخر، ثم العودة الى ما أسلف من قبل، مشيعًا جوًّا من الفكاهة المحببة.